سوريا ( 𐎒 𐎆 𐎗 𐎊 𐎀 )
حضارةٌ كانت مهد حضارات الأصالة ، و عاصمةٌ ذات أحد عشر ألف عام من العراقة، و زنوبيا ملكة تدمر في حكمها سبّاقة، و أوغاريت للألحان مكان ولادة ، ودجلةٌ تعانق فراتاً مع ضفاف العاصي كأنها إمارة.
تروي قصص الأجداد وتحكي عن أمجاد الماضي ، و في أزقتها وساحاتها يتجلى تنوع الثقافات وتلتقي الأعراق. في صرحٍ للتاريخ ينادي بالتسامح والسلام ، هُنا سوريا ، بلاد الأمجاد والعطاء، تحمل على كاهلها تاريخاً عريقاً ومستقبلًا باهرًا.
(التاريخ ) :
من تدمر إلى أوغاريت ، ومن أرواد إلى الرصافة مروراً ببصرى الشام و تاريخ مملكة ميري ، تحتضن سوريا تاريخاً لا يُختصر في بضع سطور.
يبدأ بأقدم عاصمةٍ تاريخياً “دمشق الياسمين” ، وملكة الملكات زنوبيا “الملكة المحاربة” التي تَولّت الحكم في سن لم يتجاوز أربعة عشر عاماً لتمتد مملكتها من شواطئ البسفور إلى ضفاف النيل. و من أرض اللاذقية من أوغاريت حيث كانت مركز العالم في الادب و القراءة و الكتابة و قبل الميلاد بألف و خمسمائة عام وُلِدت أول أبجدية عرفها التاريخ “الأبجدية الأوغاريتية” التي تدون من اليسار إلى يمين بحروف مُقطَّعة.
أمّا في البادية على حوض الفرات عام ٢٩٠٠ قبل الميلاد نشأت الممالك الثلاث التاريخية لمملكة ميري في البوكمال حيث كانت اللغة المسمارية لغة رسمية لهم. و بالتأكيد لا تُنسى كثافة وضخامة تاريخ الرصافة لؤلؤة بادية الشام بعشائرها و مساجدها وكنائسها.
في حلب الشهباء ، قلعة كانت أكبر دليل على أغنى و أرقى تاريخ ، من العصور الوسطى إلى يومنا تُعد أكبر و أقدم القلاع في العالم بمسرحها الحديث و مسجدها. على إمتداد الأراضي السورية ، من قلاع إدلب شمالاً إلى قلعة بصرى في درعا جنوباً مروراً بقلعة صلاح الدين الأيوبي في اللاذقية و قلعة الحصن في حمص ، مصاحبةً لقلعة دمشق و بانياس و زِلبيا على إمتداد ١٤ محافظة إدارية على أرض سوريا. عداها ما بين بصرى الشام عاصمة مملكة الغساسنة و جزيرة أروَاد الفينيقية حضاراتٌ و عصورٌ مَرَّت جُمِع َفيها العلم و الثقافة في بلد واحد على أغنى أرضٍ تاريخياً و جغرافياً.
(الجغرافيا ) :
من (نهر العاصي) ، نهرٍ عاصٍ في اتجاهه من الجنوب إلى الشمال ، على أوله في العدية حُمص سد الرستن الساقي لسهل الحولة ، يُكمل إلى الأبية حماة لتُقام عليه نواعير حماة أحد الأوابد الأثرية منذ عصر الآراميين ، مروراً بسهل الغاب و إلى جسر الشغور شمالاً. أما الفرات أحد أغزر أنهار آسيا والعالم المار بمحافظتَي الرقة و ديرالزور مُشَيَّداً عليه سد الطبقة، يرافقه دجلة المار بالمالكية (أو ديريك) وهو اسم المنطقة السيرياني المُحافَظ عليه إلى يومنا الحالي.
أما الساحل السوري على إمتداد ١٨٠ كيلومتر بميناءيه اللاذقية و طرطوس، وجماله النابع من صلنفة و بانياس و تاريخه في راميتا و بللوران، يمثل نافذة سوريا البحرية بشواطئها و جزرها و بحيراتها المحاطة بجبالها الراسية. ويذكر فيه أيضاً بلدة تتميز بسحرها الطبيعي والتاريخي والفلكلوري الأرمني ، جنة الساحل السوري “كسب” ، بغاباتها الخضراء كالسندس ، وأسوارها جبالها الشامخة الحاضنة لينابيعها الشبيهة باللؤلؤ في لمعانها ونقاءها.
على مساحة جغرافية تمتد لأكثر من ١٨٥ ألف كيلومتر مربع ، وإدارياً في ١٤ محافظة شاملة لأريافها و قُراها ، لا تخلو البيئة السورية من أي مقوم طبيعي يعطيها رونق الحياة. فحقول التفاح والليمون في “الناجية” عروس جبل الساحل ، تتكامل مع سدود و نواعير العاصي و سهول شريانِيّ سوريا فراتها و دجلتها ، وصحراء البادية مع جبال ساحلها ، و حقول الزيتون في إدلب الخضراء تعانق جولاناً محتلاً بما فيه من خيرات مسلوبة.
(الأديان) :
تحتضن سوريا في ربوعها الأديان السماوية أجمع و تندمج في مجتمع مترابط و متجانس بكل تواد.
تبدأ برابع المساجد شهرةً و أحد العجائب الإسلامية السبعة في العالم ، وهو جامع بني أمية الكبير المعروف بالجامع الأموي بدمشق. بُنِيَ بأمر الوليد بن عبد الملك و عُرِف بأول مسجد ظهر فيه المحراب و الحِنية و منه إنتشر نموذج المئذنة المربعة إلى مشارق و مغارب العالم الإسلامي ، ويحتضن الجامع مآذناً ثلاثة و أحجاره العتيقة المدموجة بآذان الجوق المعروف في الجامع منذ الأزل.
و في حلب أيضاً ، يُعتبر جامع بني أمية الكبير ( الجامع الأموي بحلب ) أكبر و أقدم مساجد المدينة و المدرجة على قائمة التراث العالمي منذ عام ١٩٨٦ ميلادياً ، و يآخيه مسجد الرحمن في المدينة حيث تعود أسس البناء فيه إلى العصر الأموي و يدل على ذلك المآذن المربعة ذات الأضلاع الرباعية فيه ، ويُذكر على لسان القاطنين في الحي نفسه وجود حجار كُتِب عليها آيات من سورة الرحمن على شكل صفحات من القرآن الكريم على بعض جدران المسجد.
و ثم خامس مسجد في الإسلام ، لؤلؤة حماة ( المسجد الأعلى الكبير ) ، و القلب الأثري للمدينة ( مسجد النوري و جامع أبي الفداء ) بواجهة من الفسيفساء صدفية الشكل في حرمه. أما حُمص ، فتعرف بجامع خالد بن الوليد ، وتختلف الروايات ما إن كان صاحب القبر في الجامع هو سيف اللّه المسلول أم خالد بن يزيد ابن معاوية. ويعود عُمر المسجد إلى القرن السابع الهجري ( ١٣ ميلادي ) ويتميز بطراز بناء عثماني يتناوب فيه اللون الأبيض و الحجارة البازلتية السوداء بلمسة بناءٍ سوريَّة .
تتمتع سوريا أيضاً بموروث غَنِيّ من الكنائس و الكاتدرائيات التاريخية ، تبدأ من أقدم كنيسة في دمشق ، ( الكنيسة المَريَمِيَّة ) والتي يعود تاريخها إلى بداية إنتشار المسيحية في المدينة ، تليها تاريخياً كنيسة (القديس حنايا ) في حي باب توما التي تتميز بمدخلها التاريخي الفريد العائد لأكثر من ٢٠٠٠ عام تحت الأرض .
شمالاً يقع دير سمعان بالقرب من حلب ، و سُمِّيَ بهذا الاسم نسبة للقديس والناسك السوري سمعان العمودي ، كما اتخذ صلاح الدين الأيوبي الدير كقلعة حصينة في بعض معاركه. إلى الجنوب قليلاً نجد كنيسة أم الزِنّار ، أقدم الكنائس في العالم و تُعرَف رسمياً بكاتدرائية السيدة العذراء ، تقع في حُمص و تعود للقرن الأول من الميلاد و سُمِّيَت بهذا الاسم لوجود زِنّار ثوب السيدة مريم العذراء محفوظاً بها.
(الحضارة و المجتمع ) :
في أرض أوغاريت عُزفت أول مدونة موسيقية عرفتها البشرية و ذلك قبل أكثر من 3500 عام وتسمى بالأغاني الحورية وتعد ( ترنيمة الحورية ) أقدم عمل موسيقي متكامل تم تلحينه في العالم. تلتها حلب المعروفة بالعراقة في الطرب ومن أشهر منظوماتها الغنائية ( القدود الحلبية ). و لا تخلو الطقوس في الأفراح السورية والمناسبات من وجود حلقة تتشابك فيها الأيادي تصطحبها حركة تناغمية مع صوت الطبول والأهازيج الشعبية ، و هي الدبكة السورية ، و أشهر أنواعها ( الدبكة البدوية ، و ولدة عرب ، و النشلة ) و ختام أنواعها ما يتميز به الأجداد السوريين و هي( الدبكة الشرقية ) ذات الرتم البطيء في الحركة.
في سياق آخر ، و من درعا إلى حلب ، تتنوع العادات والتقاليد المتوارثة في المحافظات السورية ، ففي العيد تشتهر درعا بالغريبة والبرازق وكعك العيد والمعمول ، و شرقاً تُشتهر الكليجة ، و في الشهباء تُعَدُ الحلويات بأشكالها المتعددة أساساً في ضيافة العيد ، مستخدمين الفستق الحلبي في إعدادها ، أما العدية فتشتهر خصيصاً بالحلاوة الحمصية التقليدية كأشهر طبق في المناسبات الدينية.
كل هذه العادات والتقاليد تصب في مجتمع يميزه الترابط بين العائلة وبين أفراده إن كان من الأجداد وصولاً إلى الأحفاد ، يغمره الحب والمودة كرابطة الدم تجمعهم ولكنها رابطة الياسمين الموجود في كل بيت.
وإن بحثنا في التراث السوري فنجد في الحِرف و المصوغات اليدوية رونقاً خاصاً ، وأبرز هذه الحِرَف و الصناعات ( السيف الدمشقي ، البروكار ، الأزياء الفلكلورية ، صناعة الخزف ، الزجاج المُعَشَّق ، المشغولات الذهبية و الفضية ، النقش على النحاس ، صناعة العود الشرقي ، والرسم أهمه الخط العربي في المخطوطات العربية ).
عبر الأزمنة مَرَّ على الأراضي السورية سياسياً عدة شخصيات تاريخية كان لها أثر في استقلال هذه الأرض الطيبة كيوسف العظمة. وبالعودة إلى العصر العباسي من بيني أزِقَّة معرة النعمان نشأ أبو العلاء المعري و عُرفَ بفكره وشعره وأدبه وفلسفتهِ وغزارة علمهِ بالنحو. أما من أحياء الياسمين رأينا إشراقة حروف الأدب والفقه والعدل في حياة محمد علي بن مصطفى الطنطاوي ، ومن أشهر كتُبهِ ( دمشق صور من جمالها وعبر من نضالها ). إضافةً إلى الأدب والأشعار برزَ نزار قباني كشاعر وناشر سوري مُعاصر و أشهر أعماله عن الوطن كانت ( القصيدة الدمشقية ).
ومن أهم الشخصيات المعاصرة لنا والتي يُوجب ذكرها ، أول عربي لامس النجوم بمركتبهِ ، عُرف بفطنتهِ وذكائهِ و تفوقهِ العلمي على مستوى العالم ، رائد الفضاء و الطيار و اللواء محمد الفارس إبن حلب الشهباء ، عاش حُراً و توفي على موقفٍ مشرفٍ جعله يُخَلّد في التاريخ علمياً وإنسانياً.
الثورة :
15 / أذار – مارس / 2011 ، عام الإنتفاضة في وجه الظلم والإستبداد لشعب الياسمين ، مطالبين بحريتهم و مدافعين عن حقوقهم التي سُلبت مِنهم من قِبل نظام جشع ، وكانَ رد هذا النظام عليهم وضعهم خلفَ القضبان الحديدية أو دفنهم تحتَ حجارة و ذكريات منازلهم المليئة بالحُب والسلام . على الرغم من مرور أعوامٍ من الحُزن والدم والتشرد ، لا زال هذا الشعب يأمل و يرجو من الله إلى أخر رمق يوماً تشرق فيه شمسُ حريتهِ وإنتصاره.
“ فافرحي يا سوريتي الحبيبة شعبُكِ يُحيي اسمكِ في كلِ مكان “
وعلى وزن “أنا الدمشقي ..” لنزار قباني نكتب :
أنا السوري … وإن غربتم روحي لصار لها حياة ٌ… وجناحُ
ولو أخرجتم قلبي بأيديكم رأيتم في صدري أشواقاً لمن راحوا
بداية الألم … توجع كل من تغربوا وإن شعوري بعد التألم تراحُ
آلام الشام تكبر إذ تذكرني وللآلام .. كالأحياء .. ملامحُ
للأوطان حقوق في أنفسنا .. وحقُّ العودةِ يصبو حتى يُتاح
إعداد:
بتول الفارس حسن سيد حسين